الحمد لله على أقداره والشكر له على توفيقه وامتنانه ، أما بعد ..
فقد رأينا ما حل بكم معاشر الإخوة والأخوات في جدة، (للمرة الثانية)، وليست ثمة أية ضمانات بشرية لأن تكون الأخيرة إلا بمعالجة الأسباب الحقيقية ،
وحتى ندرك عظم هذه الكارثة وما ينبغي أن تقابل به من الحسم فيكفي أن نعلم بأن مجموع عدد الجرحى والإصابات والقتلى
والأموال المتلفة يربو على عدد حصيلة بعض الحوادث الإرهابية الكبرى التي وقعت في البلاد !
وهذا وفقاً لحصاد أرقام المأساة الماضية وحدها دون الحاضرة!
فمن المسؤول عن هذا المصاب ؟
وهل حوسبوا حساباً
يوازي ما تسببوا به من كوارث؟
وهل قام أصحاب الولايات العليا بواجبهم بعد الكارثة الأولى؟
إن أول خطوة لعلاج القضية
هي الشعور بالمسؤولية، أما إن كانت الكارثة تمر وتمضي ثم لا يشعر بعض المسؤولين بأدنى لوم أو حرج أو مسؤولية تقع على
عواتقهم إزاء ما حدث، فهذا لا يبشر بخير، بل من الطبيعي عندها أن تتكرر المأساة، وذلك مؤذن بهلاك ودمار
( أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون ) [التوبة: 126]!
ومن العجيب في هذا الصدد
أنَّه قد تكرر صدام قطارين في بلد قريب فأدى ذلك إلى استقالة وزير النقل !
وفي بلد آخر وقع حريق في مستشفى مات فيه مريضان فاستقالت وزيرة الصحة ،
أما في اليابان فقد استقال وزير العدل إثر زلة لسان ،
بل استقال رئيس الوزراء الياباني بعد سقوط طائرة مدنية قبل سنوات ،
والأمثلة في هذا المضمار لا تحصى !
ونحن أمة في تاريخ خلفائنا ما يغنينا عن استجرار الشواهد الغربية والشرقية ، فأين في هؤلاء من قائلنا :
( لوعثرت بغلة في شط الفرات لخشيت أن يحاسبني الله عليها ) !
وعندنا في هذه البلاد استقال أو أقيل المسؤول الأول في الرئاسة العامة لرعاية الشباب إثر تكرر هزيمة فريق كرة !
أما في جدة حيث تكررت المأساة وراحت ضحيتها حتى هذه اللحظة أنفس الله أعلم بعددها ، وأموال كانت كفيلة بحل كثير
من مشكلات الشباب، بل المجتمع، بالإضافة إلى طاقات وجهود، وآمال وأحلام، مع ذلك
لم نشعر بوجود أدنى رغبة حتى الآن
لاأحد من الوزراء أو الأمراء في تقديم استقالتهم، فهل الكرة أغلى من الأرواح والممتلكات ،
التي هي من الضرورات الخمس التي أجمعت الشرائع على وجوب المحافظة عليها ؟
أو أن جدة غير ؟!! وهذا وربي لايؤذن بخير!
إن مما يضاعف المصيبة أن يرى المباشرون للمسئولية في جدة أن من يقع عليه اللوم في ما حدث هم أناس آخرون ،
فيحملون غيرهم من الأحياء والأموات جريرة ماحدث ! والحق أن كل من تبوأ منصبا وباشر المسئولية وكان مكلفا
بأداء الواجب فلم يقم به على الوجه المطلوب فهو مسئول عما حصل ويحصل في المستقبل ، مسئول أمام الله تعالى ثم أمام
من ولاة المسئولية من ولاة الأمر ، سواء أكان ذا منصب صغير أو كبير ، وسواء أكان من القائمين على الأمر الآن أو ممن
مضى وارتحل .
إن من الأسباب المادية الملموسة والمشهودة لهذه المأساة أسباب ناجمة عن الفساد المالي والإداري، وهذه
يجب أن يدان فيها المتسببون وأن يتحملوا تبعات جرائمهم، والناس ينتظرون من ولاة الأمر علاجاً حازماً، وقرارت تحسم
الفساد وتؤدب المفسدين، نسأل الله أن يوفقهم لمافيه صلاحهم وصلاح البلاد والعباد.
ختاماً :
أهلنا في جدة :
إن العزاء لكم موصول وإن كان العزاء لا يكفي ، والدعاء مبذول ، ووصيتنا لكم بتجديد الإنابة والتوبة ،
والتضرع إلى الله وسؤاله الاستصحاء، فإن ذلك سنة، ثبت في البخاري أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم
وقد مطروا أسبوعاً فقال: يا رسول الله! هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يمسكها. قال: فرفع رسول
الله صلى الله عليه وسلم يديه ، ثم قال : "اللهم حوالينا، ولا علينا، اللهم على الآكام والجبال والآجام والظراب والأودية
ومنابت الشجر"، قال : فانقطعت وخرجنا نمشي في الشمس )
فالهجوا بدعاء ربكم ، وسلوه أن لا يؤاخذكم بما فعله المفسدون في أرضكم ، وبعد ذلك تعاونوا على البر والتقوى ،
فإن من خصال البر التي يوفق الله تعالى بها العبد، إغاثة الملهوف ، وإكساب المعدوم ، والإعانة على نوائب الحق ،
كل حسب قدرته، وعليكم بعد ذلك بذل الجهد في متابعة طلب الإنصاف من المفسدين ليعلم المسؤول أنه مسؤول
عن تبعات إهماله ، وانشغاله عن مسؤوليته الكبرى بأمور تعجل العقوبة ، وقد قال أصدق القائلين :
( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا )
الإسراء: 16.
أسأل الله أن يعين أهلنا في جدة وأن يلطف بهم ، وأن يجعل ما أصاب المصابين كفارة لهم ورفعة في درجاتهم.
والحمد لله الذي لا يحمد على أقداره سواه ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
.
0 التعليقات:
إرسال تعليق